تجري الشركة الوطنية للجيوفيزياء ”أوناجوا” استكشافات للغاز الصخري في ولاية معسكر منذ أكثر من سنة، ومست العمليات أكثر من 20 موقعا غرب هضبة غريس، وتنقلت الاستكشافات هذه الأيام إلى جبل اسطمبول، وكذا شرق دائرة سفيزف بولاية سيدي بلعباس.
تشتغل هذه الشركة العمومية التابعة لمجموعة سوناطراك، لفائدة هذه الأخيرة في دائرة تيزي بولاية معسكر، في مشروع استكشافي أطلقت عليه رمز ”أو.جي.أس 40”، وهو اختصار ”استكشاف الغاز الصخري 40”، ويتكون الفريق العامل في الاستكشاف من مهندسين وتقنيين مختصين في الحفر جزائريين 100%، إضافة إلى عمال محليين في الحراسة في إطار عقد بين شركة ”أوناجوا” والشركة الخاصة ”الأمين غارد” التي تشرف على حراسة كل مواقع استكشاف الغاز الصخري في الجزائر، الصحراوية وفي الشمال في معسكر، البويرة وأم البواقي.
ولا يعرف أحد في معسكر ماذا تفعل هذه الشركة في ولايتهم، وحتى رئيس بلدية الكرط التابعة لدائرة تيزي حيث أقامت شركة ”أوناجوا” قاعدة حياة إطاراتها وعمالها، لا يعرف ما تقوم به، ويعرف فقط أن إطاراتها قدموا إلى البلدية رفقة السلطات المحلية لولاية معسكر لاختيار أرضية، واتفقوا على إقامتها في منطقة عروبة (حوالي 2 كم غربي بلدية الكرط) وهي منطقة تقع أقصى غرب سهل غريس الفلاحي.
كما تعوّد سكان معسكر والمترددون على طرقاتها مصادفة شاحنات رباعية الدفع صفراء اللون تتوغل في الجبال، بعد أن تنتهي جرافات بنفس اللون في فتح مسالك تؤدي إلى مناطق غير مرئية، وتعوّدوا أيضا على مصادفة سيارات رباعية الدفع بيضاء اللون مجهزة بهوائي طويل، في غدو ورواح إلى تلك المناطق الجبلية التي سبقتها إليها الجرافات، ولا أحد يعرف ماذا تفعل، وحتى عمال الحراسة المحليون الذين تم توظيفهم في شركة ”الأمين غارد” لا يعرفون ماذا يحرسون!
وعلمت ”الخبر” أنه بعد سنة من أشغال الاستكشاف في مناطق مختلفة تابعة لبلدية الكرط في ولاية معسكر، وبالتحديد في الوادي الواقع أسفل قرية أولاد بن دهة وفي القواسم وزرار، نقلت شركة ”أوناجوا” شاحناتها ومعداتها إلى بلدية القيطنة، وتوغلت في جبال اسطمبول، كما توجهت فرق أخرى غربا إلى ولاية سيدي بلعباس، وبالتحديد إلى دائرة سفيزيف، حيث تجري أشغال الاستكشاف هناك هذه الأيام، في حين تنقلت فرق أخرى شمالا نحو دائرة المحمدية.
وأكدت مصادر عليمة لـ ”الخبر” أن أشغال الاستكشاف في ولاية معسكر أثبتت أن ”الغاز الصخري موجود في المنطقة على عمق يفوق 5 آلاف متر”، ولا أحد يستطيع أن يفسر إن كان في الإمكان استغلاله نظرا لطبيعة المنطقة التي جرت فيها الاستكشافات، وهي جبلية، وتقع قريبا من منطقة زلزالية تاريخية وهي منطقة حاسين التي هزها زلزال عنيف سنة 1994، وتجري عملية الاستكشاف عن طريق إجراء حفر ضيقة، ويتم سبر باطن الأرض باستعمال تجهيزات قراءة الترددات، وهي التجهيزات المثبتة على متن شاحنات عملاقة تتنقل إلى مواقع الحفر، وهي موصولة بتجهيزات إلكترونية حديثة تقرأ الترددات.
والمؤكد أيضا أن شركة سوناطراك ماضية في استكشاف الغاز الصخري في الجهة الشمالية لغرب البلاد، ففي آخر زيارة لوزير القطاع يوسف يوسفي إلى ولاية معسكر قبل أسبوعين، وفي عز الاحتجاجات التي تشهدها ولايات الجنوب الجزائري، لم ينطق الوزير بكلمة واحدة بخصوص ما تقوم به الشركة الوطنية للجيوفيزياء ”أوناجوا” في المنطقة.
وتقول مصادر من سوناطراك إن ما تم استكشافه من مخزون محتمل للغاز الصخري في المشروع ”أو.جي.أي 40” مشجع جدا، رغم أن عدد مناطق الاستكشاف التي جرى العمل فيها إلى حد الآن قليلة، حيث تحتاج إلى تحديد الامتداد الأفقي للطبقة الصخرية المحتوية للغاز الصخري ومعدلات عمقها، وهي عملية قد تطول زمنيا.
استكشاف الغاز الصخري انطلق في عهد شكيب خليل
وكانت شركة سوناطراك قد شرعت في استكشاف الغاز الصخري في غرب البلاد منذ سنة 2009 في عهد شكيب خليل، حيث أعلنت وزارة الطاقة والمناجم يوم 10 فيفري 2011 رسميا عن اكتشاف وصفته بـ ”التاريخي” في منطقة الرحوية، في منطقة الاستكشاف ”تي.إي.تي1” التي أقامت بها شركة سوناطراك بالتعاون مع شركات أمريكية، وهو الاكتشاف الذي تحقق بعد حوالي سنة من الدراسات والاستكشافات على عمق يفوق 1500 متر، إلا أن الدراسات الجيولوجية والفيزيائية التي أجريت فيما بعد بينت أن ”الكميات المخزنة في منطقة الرحوية غير مهمة من حيث الحجم، وأن الصخور الغازية تمتد نحو الشمال في ولايتي غليزان ومعسكر، وهو ما جعل وزارة الطاقة والمناجم في عهد شكيب خليل تقرر الشروع في الاستكشاف في البداية في ولاية غليزان في منطقة بلعسل بوزڤزة، إلا أن شكيب خليل رحل ورحلت معه الشركات الأمريكية المتعاقدة في مجال الاستكشاف، لتخلفها الشركة الجزائرية العمومية أوناجوا التابعة لمجموعة سوناطراك، والتي تواصل الاستكشاف في المواقع المحددة منذ عهد شكيب خليل في الهضاب العليا”.
مشروع ”تاريخي” تحول إلى مشروع سري
وبعد مغادرة شكيب خليل للحكومة وطفو الفضائح المتعلقة بتسييره للقطاع، تحولت كل الأعمال المتعلقة بالاستكشاف إلى ”موضوع سري”، مع أن وزارة الطاقة بعده لم تتراجع عن البرنامج الذي سطره الوزير السابق، كما لم تراجع الميزانية التي خصصتها شركة سوناطراك للاستكشاف في الشمال والمقدرة بـ400 مليون دولار، وهو البرنامج المستمر إلى حد الآن في العديد من الولايات، على غرار ولايتي معسكر وسيدي بلعباس.
لكن الوصول إلى المعلومة المؤكدة يستحيل في الوقت الراهن، ربما بسبب الاحتجاجات الكبيرة ضد الغاز الصخري التي انطلقت في عين صالح وامتدت إلى مقر الولاية تمنراست، ثم إلى ولاية ورڤلة والعديد من ولايات الوطن بعدها.
وقد تكون لزيارة وزير الطاقة يوسف يوسفي إلى ولاية معسكر قبل أسبوعين علاقة بهذا الموضوع، رغم أنه تنقل رسميا إلى هذه الولاية لتدشين مشروع تزويد سكان عقاز وسيدي عبد المومن بغاز المدينة، وتدشين محطة وقود تابعة لشركة نفطال استفادت من عملية تجديد، وغيرها من المشاريع.
وقد تنقلت ”الخبر” يوم الأحد 25 جانفي الجاري إلى قاعدة الحياة للشركة الوطنية للجيوفيزياء ”أوناجوا” في منطقة عروبة الواقع غرب بلدية الكرط، إلا أن مسؤولي القاعدة رفضوا الإدلاء بأي تصريح، بمبرر أن ”الشركة متعاقدة مع مجموعة سوناطراك ولا يحق لها تقديم معلومات لأي كان سوى المجموعة”. في الوقت الذي كانت فيه السيارات رباعية الدفع ”التي حيرت المعسكريين” تنقل المهندسين والتقنيين إلى مواقع عملهم في الجبال، في منطقة القيطنة وإلى منطقة سفيزف بولاية سيدي بلعباس.
وتعرف أشغال الاستكشاف هذه الأيام تباطؤا بسبب الأحوال الجوية، حيث عادت الجرافات إلى مواقع الاستكشاف لتسوية المسالك التي انجرفت جراء الأمطار التي تهاطلت على المنطقة الأسبوع قبل الماضي، وهذا بهدف تسهيل وصول سيارات رباعية الدفع التي تنقل المهندسين مع معداتهم الإلكترونية العالية الحساسية.
والمؤكد في ولايتي معسكر وسيدي بلعباس أن أشغال استكشاف الغاز الصخري لا تشارك فيها أية إدارة عمومية محلية، ومنها تلك التي لها علاقة بقطاع الطاقة، ولا شيء يدل على هذه الأشغال في ولاية معسكر، غير تلك المسالك المهجورة في الجبال أو الشاحنات الصفراء التي تتنقل في كل الاتجاهات، وكذلك قاعدة الحياة لشركة ”أوناجوا” في منطقة عروبة ببلدية الكرط.
تعليقات
إرسال تعليق